وقفت شهرزاد فى الليلِ البهيم
تحدق فى سوادِ اليلِ وسوادِ السكون
واسترجعت مما مضى ليله جميله
قد كانت فى الاماسى كحلاً للعيون
وتذكرت شهريار بقوله
ان النساء ان قربتهم فى مخادعهم
لن تنم منك الجفون
وكيف لها ان غيرت عقل الزمان فى اعتى الرجال
عقل الضلال فى ساقى المنون
كانت الاقصوصه حينها
كاعنف الاسلحة فتكا بالعقول
فعصفت بعقل شابٍ طائش
امرد اللحيه مجنون
وعلمته ان القلوب المبصره تحيا
وان جاز على رقابها سيف الظنون
وأن القلوب المظلمه مترديه
تجرع فى الليل وحدها كأس المنون
وان الظلام يلُفَّها ويحيطها
وان اضئ ما حولها فى حنايا الكون
فما من مرض يبقى وما من الم يدوم
وما كان الموت أبداً
كتلك الصورة المبغوضة فى العيون
وتذكرت يوما حزينا اخرا
من ايام تاريخنا المحزون
يوما رأت طفلا صغيرا جالساً
خلف جدار متهرئ مهدوم
يبكى اخٌ له قد قُتِّل فى مهدِه
وابٌ كسيرٌ مزقته اهوالُ الحسوم
واسترجعت ضى النهار فى عين الصغير
ولمعة الموت فى ذلك الوجه النضير
وتذكرت كيف القمر قد أضاءت منه اهداب الجفون
وقد اكتمل بهاؤه وضياوه
حتى صار كالبدر المضئ فى ليل العيون
وتحول القمر كالشمس فيمن حوله
يلقى ضوءاً باهراً على احبته
ويعصف حمماً حاره على حفن البعير المأفون
وترنحت حين شاهدت الصغير
ممزقا بنيران صغيره لعدو غدار
واستصرخت فينا الشهامة والرجوله
ولكنا جميعاً لذنا بالفرار
فاستيقظت من غفوة
وحاولت ان ترتمى فى حضن الليل والسحب القفار
فالليل احيانا يكون افضل كثيرا من النهار
فهو يخفى عن العين ما يشوبها من الم الحصار
ويخفى ذلك القاتل الجبار
الذى اغتال البراءة فى أعين الصغار
واغتال الجنين فى بطن امه ليصير شهيدا للخمار
ويخفى ايضا المحتال والمغتال والفتى المغوار
فعند الليل يتساوى فرس السلطان العربى مع الحمار
ويصبح الخنزير شيخنا الورع وقبلتنا ووجهتنا للجبار
قومى يا شهرزاد فالليل خادع
وما يتساوى ابدا ليلا مع نهار
فلا الشمس تشرق فى الاماسى
ولا كان القمر شمسا تضئ فى الاسحار
قومى وانفضى عنك خرافات السنين
وخزعبلات القصص والاخبار
فشهريارك مات من امد
واصبح لدينا اليوم الف شهريار
لكنهم ابدا سيستمعوا لكِ
وان اكرموكى ...
فسيكتفوا بان تنقلى لهم الاخبار
فانهضى اخيتى والقى بنفسك من فوق صخرة الحق المبين
حتى تظلى كما انتى شهرزاد الحكايه
والتى قد غيرت شهريار بقولها
وفعلت معه ما عجز عن فعله الايام والسنين
